تفسير الأذان


30. رسول الله صلي الله عليه و آله - لما سأله أميرالمؤمنين عليه السلام عن تفسير الأذان -: يا علي، الأذان حجة علي امتي، و تفسيره:

اذا قال المؤذن: «الله أكبر الله أكبر» فانه يقول: اللهم أنت الشاهد علي ما أقول، يا امة محمد قد حضرت الصلاة فتهيؤوا و دعوا عنكم شغل الدنيا.

و اذا قال: «أشهد أن لا اله الا الله» فانه يقول: يا امة محمد أشهد الله و اشهد ملائكته اني أخبرتكم بوقت الصلاة فتفرغوا لها.

و اذا قال: «أشهد أن محمداً رسول الله» فانه يقول: يعلم الله و يعلم ملائكته أني قد أخبرتكم بوقت الصلاة، فتفرغوا لها فانها خير لكم.

و اذا قال: «حي علي الصلاة» فانه يقول: يا امة محمد، دين قد أظهره الله لكم و رسوله فلا تضيعوه، و لكن تعاهدوا يغفر الله لكم، تفرغوا لصلاتكم فانها عماد دينكم.

و اذا قال: «حي علي الفلاح» فانه يقول: يا امة محمد، قد فتح الله عليكم أبواب الرحمة، فقوموا و خذوا نصيبكم من الرحمة تربحوا الدنيا و الآخرة.

و اذا قال: «الله أكبر الله أكبر» [1] فانه يقول: ترحموا علي أنفسكم، فانه لا أعلم لكم عملاً أفضل من هذه، فتفرغوا لصلاتكم قبل الندامة.

و اذا قال: «لا اله الا الله» فانه يقول: يا امة محمد، اعلموا أني جعلت أمانة سبع سماوات و سبع أرضين في أعناقكم، فان شئتم فأقبلوا و ان شئتم فأدبروا، فمن أجابني فقد ربح و من لم يجبني فلا يضرني. [2] .

31. الامام الحسين عليه السلام: كنا جلوساً في المسجد اذا صعد المؤذن المنارة فقال: «الله أكبر الله أكبر»، فبكي أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و بكينا لبكائه، فلما فرغ المؤذن قال: أتدرون ما يقول المؤذن؟ قلنا الله و رسوله و وصيه أعلم! قال: لو تعلمون ما يقول لضحكتم قليلاً و لبكيتم كثيراً! فلقوله: «الله أكبر» معان كثيرة:

منها: أن قول المؤذن: «الله أكبر» يقع علي قدمه و أزليته و أبديته و علمه و قوته و قدرته و حلمه و كرمه و وجوده و عطائه و كبريائه، فاذا قال المؤذن: «الله أكبر» فانه يقول: الله الذي له الخلق و الأمر و بمشيته كان الخلق، و منه كل شي ء للخلق، و اليه يرجع الخلق، و هو الأول قبل كل شي ء لم يزل، و الآخر بعد كل شي ء لا يزال، و الظاهر فوق كل شي ء لا يدرك، و الباطن دون كل شي ء لا يحد، و هو الباقي و كل شي ء دونه فان.

و المعني الثاني: «الله أكبر» أي العليم الخبير عليهم [3] بما كان و يكون قبل أن يكون.

و الثالث: «الله أكبر» أي القادر علي كل شي ء، يقدر علي ما يشاء، القوي لقدرته، المقتدر علي خلقه، القوي لذاته، قدرته قائمة علي الأشياء كلها، اذا قضي أمراً فانما يقول له: كن، فيكون.

و الرابع: «الله أكبر» علي معني حلمه و كرمه، يحلم كأنه لا يعلم، و يصفح كأنه لا يري، و يستر كأنه لا يعصي، لا يعجل بالعقوبة كرماً و صفحاً و حلماً.

و الوجه الآخر في معني «الله أكبر»؛ أي الجواد جزيل العطاء كريم الفعال. [4] .

و الوجه الآخر: «الله أكبر» فيه نفي صفته و كيفيته؛ كأنه يقول: الله أجل من أن يدرك الواصفون قدر صفته الذي هو موصوف به، و انما يصفه الواصفون علي قدرهم لا علي قدر عظمته و جلاله، تعالي الله عن أن يدرك الواصفون صفته علواً كبيراً.

و الوجه الآخر: «الله أكبر» كأنه يقول: الله أعلي و أجل، و هو الغني عن عباده، لا حاجة به الي أعمال خلقه.

و أما قوله: «أشهد أن لا اله الا الله» فاعلام بأن الشهادة لا تجوز الا بمعرفته من القلب، كأنه يقول: أعلم أنه لا معبود الا الله عزوجل، و أن كل معبود باطل سوي الله عزوجل، و اقر بلساني بما في قلبي من العلم بأنه لا اله الا الله، و أشهد أنه لا ملجأ من الله الا اليه، و لا منجي من شر كل ذي شر و فتنة كل ذي فتنة الا بالله.

و في المرة الثانية: «أشهد أن لا اله الا الله» معناه: أشهد أن لا هادي الا الله، و لا دليل الي الدين الا الله، و أشهد الله بأني أشهد أن لا اله الا الله، و اشهد سكان السماوات و سكان الأرضين و ما فيهن من الملائكة و الناس أجمعين، و ما فيهن من الجبال و الأشجار و الدواب و الوحوش و كل رطب و يابس، بأني أشهد أن لا خالق الا الله، و لا رازق و لا معبود و لا ضار و لا نافع و لا قابض و لا باسط و لا معطي و لا مانع و لا ناصح و لا كافي و لا شافي و لا مقدم و لا مؤخر الا الله، له الخلق و الأمر، و بيده الخير كله، تبارك الله رب العالمين.

و أما قوله: «أشهد أن محمداً رسول الله» يقول: اشهد الله أنه لا اله الا هو، و أن محمداً عبده و رسوله و نبيه و صفيه و نجيه، أرسله الي كافة الناس أجمعين بالهدي و دين الحق ليظهره علي الدين كله و لو كره المشركون، و اشهد من في السماوات و الأرض من النبيين و المرسلين و الملائكة و الناس أجمعين أن محمداً سيد الأولين و الآخرين.

و في المرة الثانية: «أشهد أن محمداً رسول الله» يقول: أشهد أن لا حاجة لأحد الي أحد الا الي الله الواحد القهار الغني عن عباده و الخلائق و الناس أجمعين، و أنه ارسل محمداً الي الناس بشيراً و نذيراً و داعياً الي الله باذنه و سراجاً منيراً، فمن أنكره و جحده و لم يؤمن به أدخله الله عزوجل نار جهنم خالداً مخلداً لا ينفك عنها أبداً.

و أما قوله: «حي علي الصلاة» أي هلموا الي خير أعمالكم و دعوة ربكم، و سارعوا الي مغفرة من ربكم، و اطفاء ناركم التي أوقدتموها، و فكاك رقابكم التي رهنتموها، ليكفر الله عنكم سيئاتكم، و يغفر لكم ذنوبكم، و يبدل سيئاتكم حسنات، فانه ملك كريم ذوالفضل العظيم، و قد أذن لنا معاشر المسلمين بالدخول في خدمته، و التقدم الي بين يديه.

و في المرة الثانية: «حي علي الصلاة» أي قوموا الي مناجاة الله ربكم، و عرض حاجاتكم [5] علي ربكم، و توسلوا اليه بكلامه و تشفعوا به، و أكثروا الذكر و القنوت و الركوع و السجود و الخضوع و الخشوع، و ارفعوا اليه حوائجكم، فقد أذن لنا في ذلك.

و أما قوله: «حي علي الفلاح» فانه يقول: أقبلوا الي بقاء لا فناء معه، و نجاة لا هلاك معها، و تعالوا الي حياة لا موت معها، و الي نعيم لا نفاد له، و الي ملك لا زوال عنه، و الي سرور لا حزن معه، و الي انس لا وحشة معه، و الي نور لا ظلمة معه، و الي سعة لا ضيق معها، و الي بهجة لا انقطاع لها، و الي غني لا فاقة معه، و الي صحة لا سقم معها، و الي عز لا ذل معه، و الي قوة لا ضعف معها، و الي كرامة يا لها من كرامة، و اعجلوا الي سرور الدنيا و العقبي، و نجاة الآخرة و الاولي.

و في المرة الثانية: «حي علي الفلاح» فانه يقول: سابقوا الي ما دعوتكم اليه، و الي جزيل الكرامة و عظيم المنة و سني [6] النعمة و الفوز العظيم، و نعيم الأبد في جوار محمد صلي الله عليه و آله في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

و أما قوله: «الله أكبر» فانه يقول: الله أعلي و أجل من أن يعلم أحد من خلقه ما عنده من الكرامة لعبد أجابه و أطاعه، و أطاع أمره و عبده، و عرف وعيده و اشتغل به و بذكره، و أحبه و آمن به، و اطمأن اليه و وثق به، و خافه و رجاه، و اشتاق اليه و وافقه في حكمه و قضائه و رضي به.

و في المرة الثانية: «الله أكبر» فانه يقول: الله أكبر و أعلي و أجل من أن يعلم أحد مبلغ كرامته لأوليائه، و عقوبته لأعدائه، و مبلغ عفوه و غفرانه و نعمته لمن أجابه و أجاب رسوله، و مبلغ عذابه و نكاله [7] و هوانه لمن أنكره و جحده.

و أما قوله: «لا اله الا الله» معناه: لله الحجة البالغة عليهم بالرسول و الرسالة و البيان و الدعوة، و هو أجل من أن يكون لأحد منهم عليه حجة، فمن أجابه فله النور و الكرامة، و من أنكره فان الله غني عن العالمين، و هو أسرع الحاسبين.

و معني «قد قامت الصلوة» في الاقامة؛ أي حان وقت الزيارة و المناجاة و قضاء الحوائج و درك المني و الوصول الي الله عزوجل و الي كرامته و عفوه و رضوانه و غفرانه [8] [9] .

32. معاني الأخبار عن عطاء: كنا عند ابن عباس بالطائف [10] أنا و أبوالعالية و سعيد ابن جبير و عكرمة، فجاء المؤذن فقال: «الله أكبر الله أكبر» - و اسم المؤذن قثم بن عبدالرحمن الثقفي - فقال ابن عباس: أتدرون ما قال المؤذن؟ فسأله أبوالعالية فقال: أخبرنا بتفسيره.

قال ابن عباس: اذا قال المؤذن: «الله أكبر الله أكبر» يقول: يا مشاغيل الأرض قد وجبت الصلاة فتفرغوا لها.

و اذا قال: «أشهد أن لا اله الا الله» يقول: يقوم يوم القيامة و يشهد لي ما في السماوات و ما في الأرض علي أني أخبرتكم في اليوم خمس مرات.

و اذا قال: «أشهد أن محمداً رسول الله» يقول: تقوم القيامة و محمد صلي الله عليه و آله يشهد لي عليكم أني قد أخبرتكم بذلك في اليوم خمس مرات، و حجتي عند الله قائمة.

و اذا قال: «حي علي الصلاة» يقول: ديناً قيماً فأقيموه.

و اذا قال: «حي علي الفلاح» يقول: هلموا الي طاعة الله و خذوا سهمكم من رحمة الله - يعني الجماعة -.

و اذا قال العبد: «الله أكبر الله أكبر» يقول: حرمت الأعمال.

و اذا قال: «لا اله الا الله» يقول: أمانة سبع سماوات و سبع أرضين و الجبال و البحار وضعت علي أعناقكم، ان شئتم فأقبلوا و ان شئتم فأدبروا. [11] .


پاورقي

[1] في بحارالأنوار: «و اذا قال: حي علي خير العمل» بدل «و اذا قال: الله أكبر الله أكبر».

[2] جامع الأخبار: ص 171 ح 405 عن الامام علي عليه السلام، بحارالأنوار: ج 84 ص 153 ح 49.

[3] كذا في المصدر، و في جميع المصادر الأخري «علم» بدل «عليهم».

[4] في بعض نسخ المصدر: «النوال».

[5] في بعض نسخ المصدر: «حاجتكم».

[6] السني: الرفيع (الصحاح: ج 6 ص 2384 «سنا»).

[7] نكل به تنكيلاً: صنع به صنيعاً يحذر غيره. و النكال: ما نكلت به غيرك كائناً ما كان (القاموس المحيط: ج 4 ص 60 «نكل»).

[8] قال الصدوق رحمه الله: انما ترك الراوي لهذا الحديث ذكر «حي علي خير العمل» للتقية (معاني الأخبار: ص 41 ح 1).

[9] معاني الأخبار: ص 38 ح 1، التوحيد: ص 238 ح 1 كلاهما عن يزيد بن الحسن عن الامام الكاظم عن آبائه عليهم السلام، فلاح السائل: ص 262 ح 156 عن زيد بن الحسن عن الامام الكاظم عن آبائه عن الامام علي عليهم السلام، بحارالأنوار: ج 84 ص 131 ح 24.

[10] الطائف: بلاد ثقيف، و هي بلدة كبيرة علي ثلاث مراحل أو اثنتين من مكة من جهة المشرق، كثيرة الأعناب و الفواكه (تاج العروس: ج 12 ص 360 «طوف»).

[11] معاني الأخبار: ص 41 ح 2، فلاح السائل: ص 267 ح 159، بحارالأنوار: ج 84 ص 142 ح 37.


بازگشت